الإنتخابات البرلمانية المصرية مجرد استعراض
جانبي لنظام السيسي
كتب : روبرت سبرنج بورج (9 أكتوبر 2015)
ترجم : أحمد بدوي (14 أكتوبر 2015)
تعد الانتخابات البرلمانية المصرية والمقرر لها
البدء في 18 أكتوبر القادم سيركًا سياسيًا أكثر منها خطوة على طريق الديمقراطية.
فالهدف منها هو تسلية وتشتيت وتجنيد لاعبين سياسيين جدد بدلًا من المشاركة في
تقرير – أو حتى التأثير في – مستقبل البلاد. وهى مع ذلك تكشف بوضوح نوايا وطبيعة
النظام السياسي الذي ينشأ تحت حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي. ويبدو الأداء المنفرد
للسيسي مشابهًا بشدة للعديد من رؤساء أمريكا اللاتينية, والذي وصفه الأديب جيولرمو
أودونيل في مقاله المهم المنشور في جريدة الديمقراطية عام 1994 ب"الديمقراطية
التفويضية".
وعلى العكس من الديمقراطية التمثيلية فإن
الديمقراطية التفويضية هى مرحلة معطلة من مراحل التحول الديمقراطي, والتي يشعر
فيها رئيس منتخب بأنه "مخول بالحكم كما يشاء ولا تحده سوى حقيقة علاقات السلطة
الفعلية على الأرض". فالناخبون يفوضون سلطتهم للرئيس ثم يحكم هو بلا أى قواعد
لتوازن السلطات الدستورية. ويلاحظ أودونيل أن خصائص الديمقراطية التفويضية هى
نفسها خصائص النظم السلطوية المعتادة مثل القيصرية والبونابرتية والشعبوية
ومايشابههم من نظم الحكم.
حسنًا إذأ, فما هى تلك الخصائص وهل هى تصف
بشكل دقيق النظام "السيساوي"؟ الخاصية الأساسية للنظم السلطوية
التفويضية هى وجود الشخصية المفتاحية, الرئيس, والذي يتم تصويره عادةً على أنه "المجسد
لإرادة الأمة ووليها الأعلى والمدافع الأساسي عن مصالحها". ولإن الوضع السياسي
في حالة فوضى فإن الرئيس "المفوض" لديه الحق والواجب في "علاج
الأمة وإعطاءها الدواء المر الذي سوف يعيد لها صحتها".
ويبدو أن هذا التوصيف ينطبق بجدارة على
السيسي. فصورته المتسامية عن ذاته تتداخل بقوة مع عقيدته الدينية ويصاحبها واجبه
لقيادة الأمة, والتي عكسها في ديسمبر 2013 في اللقاء المسرب الذي قال فيه
"أنا عندي تاريخ طويل من الرؤى. فعلى سبيل المثال أنا شفت نفسي شايل سيف
مكتوب عليه باللون الأحمر لا إله إلا الله . وفي مرة تانية شفت الرئيس السادات
وقال لي أنه عارف أنه حيكون رئيس مصر ورديت بإني عارف اني حكون الرئيس أنا
كمان". ولابد من عدم الخطأ في تشخيص هذه الحالة بأنها حالة من جنون العظمة
وإنما مفتاح لفهم سمة مميزة لنمط السلطوية التفويضية, حيث يخلط بين الأمة وبين نفسه
بينما ينتحل صفة الطبيب لعلاج الأمراض التي شخصها بنفسه
ويظهر الدور الهامشي الموكل للتمثيل
الديمقراطي للعيان في العملية المتلكئة والغير منظمة التي وضعت بها القواعد
الإنتخابية (للبرلمان). فلم يتم ترسيم الحدود التاريخية للدوائر الإنتخابية وإنما
محيت لصالح توسيع الدوائر وتجاوزها للمحافظات أحيانًا وهو ما يضمن بالتالي نجاح
أصحاب الموارد المالية الضخمة والصلات الوثيقة بالنظام, ويضمن في الوقت ذاته فشل
الأحزاب الصغيرة والمستقلين الحقيقيين. والذين قامت اللجنة العليا للإنتخابات بفلترتهم
أصلًا عن طريق طلب اختبارين صحيين ونفسيين اتصفوا بالغرابة والتكلفة العالية
و"اللا منطقية".
وقد استخدم الحظر المفروض على الأحزاب الدينية
والحدود الموضوعة للإنفاق الإنتخابي لضمان عدم التوازن بين المرشحين والأحزاب
ولتوفير حجة مسبقة لإلغاء نتائج الإنتخابات لاحقًا. وقد صممت النسبة الغريبة بين
المقاعد المتنافس عليها بين المستقلين والأحزاب (بنسبة80 : 20 ) لتقليل عدد
المقاعد التي يمكن أن تفوز بها أحزاب المعارضة, في الانتخابات المشكوك في
دستوريتها بشكل متعمد, مما يعطي المحكمة الدستورية العليا – والتي تتبع الآن مجال النفوذ
القوي للسلطة التنفيذية – سيف ديموقليس حقيقي فوق رقبة البرلمان المنتخب.
وبمجرد انتخابه فسوف يكون على ذلك البرلمان الإضطلاع
بمهمة هرقلية هى مراجعة العديد والعديد من القرارات المهمة بقوانين - والتي صدرت
عن السلطة التنفيذية خلال العامين الماضيين – خلال أسبوعين فقط. ويبدو أنه لضمان
قبول هذه القرارات وخضوع البرلمان بالكامل للسلطة التنفيذية فقد قامت الحكومة
بتعيين لواء متقاعد كأمين عام للمجلس في بداية هذا العام والذي يبدو مناسبًا للجميع
عدا أغلب النواب الميالين للمعارضة.
ولا يبدو مفاجئًا أنه في وجه
هذه القيود المشددة على الانتخابات والبرلمان الذي سوف ينتج عنها فإن القوى التي
تتنافس على المقاعد قد تفتتت سياسيًا, وهو الهدف الذي صممت من أجله هذه القيود. لقد تم تجريم الأخوان المسلمين وحبس الآلاف من أعضاءهم,
ما تسبب في حذف كتلة انتخابية مهمة من المعادلة. وقد انقسم المعارضون الحقيقيون
الذين ظهروا كنتيجة لانتفاضة 2011 حول المشاركة والمقاطعة, وتحت أى غطاء سياسي
يمكنهم المشاركة إن قرروا ذلك. وقد كافحت الأحزاب المسموح بها - والتي رعاها
نظامي الرئيس المصري السابق والحالي مبارك والسيسي لإعطاء نكهة ديمقراطية – لتحديد
مواقفها من الرئيس سواء مؤيدين بشكل تام للرئيس الجديد أو منتقدين مائعين له.
"الحزب" الوحيد
الكبير والقادر كفاية على تقديم قائمة مرشحين على المستوى الوطني هو "في حب
مصر" وهو يحمل بالأساس علامة "صنع في القيادة العليا للقوات المسلحة",
ولكنه مع ذلك ليس الحزب الرسمي للنظام كما كان سابقه الحزب الوطني الديمقراطي في
عهد الرئيسين السادات ومبارك. وللتمويه على هذه الصورة القاتمة فقد شكلت مجموعات
من اللواءات المتقاعدين أحزابهم الخاصة, حيث يسعى أحدها لجذب الموالين لمبارك
المتشككين في السيسي بينما يسعى آخر للتطبيل له ومهاجمة جماعة الأخوان.
وهذا الوضع هنا يناسب تماما
مصالح الديكتاتوريات التفويضية مثل ديكتاتورية السيسي. حيث امتنع الرئيس بشكل واضح
عن ربط نفسه ونظامه بأى حزب سياسي ما يتفق مع نموذج "الشخصية الأبوية" التي
وصفها دوأونيل والذي يجب عليه رعاية الأمة بالكامل وتجنب الانقسام والصراعات
المرتبطة بالأحزاب.
وقد استهان السيسي بإستمرار من
أى معارضة لمبادراته, والتي لم يسعى في الحقيقة للحصول على أى دعم منظم لها, وحكم
بدون برلمان لأطول مدة في تاريخ مصر الجمهورية. ويقدم نظام السيسي نفسه كنظام مجهول الهوية السياسية:
حيث تظل أسماء مستشاريه المقربين غير معروفة ومشاركات الشخصيات العامة
السياسية فيه إما ضعيفة أو منعدمة لإفتقارها لفرصة الوصول لقنوات المشاركة.
وعلى العكس من الديمقراطيات
التمثيلية والتي يمر صنع القرار فيها بعملية بطيئة وتدريجية تنتج عن مشاركة العديد
من المؤسسات المستقلة بها فإن النظم التفويضية لديها تلك الميزة المريبة بالقدرة
على عمل تحولات سريعة في السياسات. وهنا فإن مصر السيسي تتبع ذلك النموذج مرة
أخرى. فبمجرد انتخابه بدأ السيسي في اعلان سلسلة من المبادرات الجريئة. وهذه
المشاريع المقترحة إما انها كانت خيالية بالكامل أو ذات منفعة هامشية وذلك لأسباب
تقنية أو مالية, ومعظم تلك المشاريع العظيمة في عالم الخيال قد تم وقفها ثم هجرها
لعدم اهتمام الناس بها. وبينما لا يثقل كاهل النظام الإرتباط بطبقة أو منطقة معينة
ويطفو فوق الجميع فهو يحاول يائسًا إرضاء الفقراء والطبقة الوسطى وأحيانًا
الأغنياء ولكن بدون نجاح نظرًا لمحدودية الموارد المتاحة له.
ويبدو أن تصرفات السيسي مشدودة
الوتر قد أدت لكل العواقب المتوقعة لسياسة غير منظمة ولا متسقة ولا فعالة تتمحور
حول شخص الرئيس. ما أكد ضخامة التقلب السياسي وزاد من عزلة الرئيس عن المؤسسات والقوى
السياسية , وأدى بالتالي لتعرض النظام بأكمله للسخرية العميقة. وقد أبدى الناخب
المصري اهتمامًا شحيحًا بالمسرحية الإنتخابية الحالية. وحتى معظم الممثلين فيها لا
يبدو أنهم يحاولون التأثير في الناخبين قدر انهاء الخطوات المطلوبة منهم. حيث يركز
الجميع عيونهم على الرجل الواقف فوق الحبل في انتظار رؤية ما إذا كان قادرًا على
حمل الأمة للناحية الأخرى أم أنه سوف يسقط بها نحو القاع.
------------------------------------
لمطالعة المقال الأصلي باللغة الإنجليزية يرجى الضغط هنا
المؤلف : أستاذ متقاعد لعلاقات الأمن القومي في كلية الدراسات العليا البحرية وأستاذ زائر بقسم دراسات الحرب بالكلية الملكية في لندن
No comments:
Post a Comment