كتب : يوكسال سيزجن 8 نوفمبر 2014
ترجم : أحمد بدوي 10 نوفمبر 2014
في كتابه المؤثر الصادر عام 1991 أسس صامويل هنتنجتون لإختبار "تسليمان اثنان" للتفرقة بين الديمقراطيات الناشئة والديمقراطيات المستقرة. وفقًا للاختبار فإن الانتخابات الحرة العادلة يجب أن تُؤدي مرتان لتمرير السلطة سلميًا من حاكم متولي للمسئولية وقت الإنتخابات لمنافس ناجح يفوز عليه. وهو اختبار صعب للغاية كما يلاحظ هنتنجتون نفسه. ووفقًا لهذا الإختبار فإن الديمقراطية الامريكية لم تصبح مستقرة حتى خسارة حزب الديمقراطيين الجاكسونيين الرئاسة لصالح حزب الويج اليميني في 1840.
وعلى ذلك فإن فوز حزب نداء تونس العلماني على اسلاميين النهضة المعتدلين في انتخابات الأسبوع الماضي قرّب الديمقراطية الوليدة في تونس خطوة كبيرة من النجاح في اختبار هنتنجتون. هذه الإنتخابات قد دعمت من موقف القوى المحاصرة والمنادية بالديمقراطية في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي. نجاح التجربة الديمقراطية التونسية رغم التطرف المتصاعد والأداء الإقتصادي الضعيف أنهى الإدعاء التركي الزائف بكونها نموذج للديمقراطية في البلاد الإسلامية. في الحقيقة فإن تركيا لم تكن أبدًا نموذج قابل للتطبيق للديمقراطية المسلمة حيث أنها لم تكن أبدأ دولة ديمقراطية ليبرالية أو حرة بالأساس. بإستثناء الفترة القصيرة من 1974-1979, فقد صنف بيت الحرية نظام الحكم في تركيا دائمًا على أنه نظام حر جزئيًا.
إن كان هناك أى نموذج لديمقراطية مسلمة بعد الربيع العربي فهي تونس وليست تركيا. وفي الحقيقة فإن لدى تركيا الكثير لتتعلمه من سياسات تونس المبنية على تفاهمات الحلول الوسط والتسامح. القمع الذي تبع مظاهرات جيزي في 2013 يعكس الاستبدادية البوليسية المتزايدة التي تشكل شخصية النظام التركي. وكما تلاحظ التقارير الحديثة لبيت الحرية والعفو الدولية ومرصد حقوق الانسان فإن الديمقراطية التركية في تراجع مستمر. بالتدخل في شئون القضاء والاعتماد على اجراءات معادية للديمقراطية - تصل أحيانًا للوحشية - فإن الحزب الحاكم ينتهك مبدأ الفصل بين السلطات وينتهك الحقوق والحريات الأساسية للمواطنين الأتراك.
وبينما أنزلقت تركيا في ذلك الطريق الاستبدادي خلال العامين الماضيين, فقد حققت تونس التحول الديمقراطي الأكثر ابهارًا في تاريخ المنطقة. نظمت تونس أول انتخابات حرة في أكتوبر 2011 بعد سقوط نظام بن علي. وحصلت النهضة على أكثرية المقاعد بنسبة 41% ثم توصلت لإتفاقية لتشارك السلطة مع حزبين علمانيين في الجمعية التأسيسية. أحد الأشياء التي فعلها التوانسة بشكل صحيح هو رفض النزعة الرئاسية لصالح الديمقراطية البرلمانية. فهم التوانسة مخاطر السقوط في فخ السلطوية الرئاسية في بلد يعاني من هشاشة تقاليده الديمقراطية والغياب التاريخي لمبدأ الضوابط والتوازنات. أختار التوانسة أيضًا التمثيل النسبي بعتبة قومية لدخول البرلمان تساوي صفرًا في المائة, ما أعطى أفضل فرصة ممكنة لتمثيل الأصوات المختلفة في البرلمان . بينما سارت تركيا في الطريق المعاكس. حاولت حكومة حزب العدالة والتنمية وفشلت في إستخدام أغلبيتها لتحويل نظام الدولة البرلماني لرئاسي وتحويل النظام الانتخابي من نظام تمثيل نسبي لنظام الأكثرية وهو ما كان يعني اعطاء حزب العدالة والتنمية أغلبية مطلقة في الوقت الذي يقوض فيه من حق الأحزاب الأصغرفي التواجد في البرلمان.
لدى تركيا واحدة من أعلى العتبات الانتخابية وأقلهم ديمقراطية في العالم (10%) ولكن ضعف تمثيل النظام الانتخابي للجمهور لم يكن أبدًا محور قلق لنخبة العدالة والتنمية الحاكمة للبلاد. ورغم الوعود السابقة للرئيس رجب طيب اردوغان فإن الحزب لم يفكر جديًا في تقليل العتبة الانتخابية, وبالعكس فإنه استغل القوانين الحالية لزيادة نصيبه في مقاعد البرلمان.
الاختلاف الأكثر وضوحًا بين تونس وتركيا بدا في طريقة كتابة الدستور , والتي تولاها مشرعون البلدين في السنوات الأخيرة. أعتمد التوانسة دستورًا ديمقراطيًا في يناير 2014 بدعم مدهش من 94% من الجمعية الوطنية. بينما في تركيا على العكس من ذلك فشل البرلمان في الوصول لتوافق لإصدار أول دستور مدني للبلاد - فشل كان سببه في الغالب اصرار حزب العدالة والتنمية الحاكم على انشاء نظام حكم رئاسي. ونتيجة لذلك لاتزال البلاد ترزح تحت الدستور العسكري المفروض منذ 1982 , والذي يفضله الدستور التونسي في 2014 تقريبًا في جميع الأوجه.
يعاني كلا المجتمعين التونسي والتركي من استقطاب شديد يتمحور حول الدين والعلمانية. وفقًا لإستطلاع القيم العالمي WVS فإن 84% من الأتراك و65% من التوانسة يصفون أنفسهم بالتدين, بينما يصف 14% من الترك و27% من التوانسة أنفسهم باللادينيين. وتنخفض معدلات الثقة المتبادلة بين أفراد كلا المجتمعين: 12% فقط من الأتراك و16% فقط من التونسيين يعتبرون الآخرين جديرين بالثقة (نفس المعيار في هولندا والولايات المتحدة يسجل 66% و35% على التوالي) , الانقسام العلماني الديني قد خلق في كلًا المجتمعين جوًا من انعدام الثقة القادرة على منع التعاون بين الأحزاب. وقد سبب هذا المناخ خسائره في تركيا عندما رفض السياسيون المتدينون والعلمانيون التنازل والقبول بحلول وسط لكتابة عقد اجتماعي جديد. وعلى الجانب الآخر فيبدو أن السياسيون التوانسة قد نجوا من هذه الأزمة في الثقة وفي طريقهم الآن لبناء ديمقراطية مستقرة.
لماذا فشل الأتراك ونجح التوانسة؟
أعتقد ان هناك تفسيران محتملان: واحد مبني على الهوية الأيديولوجية والآخر على أسلوب قيادة كلًا من أردوغان ورشيد الغنوشي, زعيم حركة النهضة التونسية. بداية بالمقارنة بالتونسيين فأهل تركيا يرتبطون بشدة أكبر بالأيديولوجية وبالحزب السياسي الذين ينتمون له.
طلب استطلاع القيم العالمي WVS من الناس في كلا البلدين تحديد وضعهم على معيار أيديولوجي من 1 (لليسار) حتى 10 (لليمين) , فوجد أن 18% من الترك و7% من التوانسة كانوا على يسار تدريج القياس بينما 35% من الترك و13% من التوانسة كانوا قريبين من النهاية اليمنى للمعيار. كان هناك توانسة في المنتصف أكثر من الأتراك , 39% مقابل 28%. وكان من المثير أيضًا ان أجاب 35% من التوانسة ب"لا أعلم" مقارنة ب5% فقط من الأتراك. العدد الأكبر من الوسطيين وغياب التشدد الأيديولوجي ربما ساعد السياسيين التوانسة ليكونوا أكثر مرونة ونفعية, مما مكنهم من الوصول لتفاهمات الحلول الوسط بين المجموعات العلمانية والدينية.
ثانيا, فإن أسلوب أردوغان الاستبدادي الاستقطابي في ممارسة السياسة قد خرب النزعة الدستورية التركية.
بينما أصبحت تونس قصة نجاح بشكل أساسي بسبب دور الغنوشي الإيجابي في العملية الدستورية. أردوغان ليس مثقفًا أو زعيم ديني. صحيح أنه قد حرّر النظام السياسي التركي في 2002 - 2011, لكنه منذ وقتها تحول بشكل متزايد لسلطوي وفاسد. بينما على الجانب الآخر فإن الغنوشي مثقف حقيقي لديه معرفة وفهم عميقين لكلًا من الفلسفة والتاريخ الغربي والإسلامي. منذ سقوط نظام بن علي أصبح الغنوشي صوت التمدين والعقل في تونس. وبدا أن لديه ثقافة وقيم واخلاص للديمقراطية أكثر من أردوغان. فبينما يترجم أدوغان أغلبيته ذات ال 52% بأنها تفويض يتيح له الإطاحة بإرادة نسبة ال 48% الباقية فإن الغنوشي يظل يذكّر مواطنيه بأن حتى نسبة أغلبية 60% في مجتمع منقسم وعندما لا تكون الديمقراطية مؤسسة فيه بشكل كامل فإنه لا يجب أخذها كتفويض للاستحواذ على السلطة.
===================================================
الكاتب يوكسال سيزجن أستاذ مساعد في علم السياسة ومدير برنامج دراسات الشرق الأوسط في جامعة سيراكيوز
لمطالعة المقال الأصلي : أضغط هنا
No comments:
Post a Comment