Showing posts with label Democracy. Show all posts
Showing posts with label Democracy. Show all posts

Sunday, October 18, 2015

DW: مصر تنتخب والمصريون يقاطعون

كتبت نعومي كونراد (17-أكتوبر 2015)
ترجم أحمد بدوي (18 أكتوبر 2015)

بينما تنتخب مصر يقرر الكثير من سكان القاهرة المقاطعة




ينتخب المصريون أول برلمان لهم منذ انقلاب عام 2013 الذي أطاح بالرئيس مرسي. ولكن تخبرنا نعومي كونراد من القاهرة أنه وسط أجواء من الترهيب والقمع فإن العديدون سوف يقاطعون الإنتخابات.

رسم أحدهم في مدخل قذر بإضاءة خافتة لمبنى متداعي من مباني وسط البلد نجمة حمراء ضخمة على حائط بجانب الباب الذي يقود للمقر الرئيس لحزب العيش والحرية. وكتب بجانبها عبارة جريئة تقول "من أجل رفاقنا القريبين والبعيدين نقف نازفين دمائنا دون أن نخضع"

وبالداخل نجد أعلام مستهلكة تعلن دعم الحزب الكامل لفلسطين, وقَسَم بخط اليد على "زرع بذور المقاومة في الأرض". بينما تجلس في حجرة الاجتماعات الخالية المتحدثة بإسم الحزب منى عزت بمظهر أقل تحديُا. لتخبر DWعن ضجر حزبها وقد قرر عدم ترشيح أى من أعضاؤه للإنتخابات التي تجرى يوم الأحد

يتوجه المصريون لصناديق الاقتراع خلال عطلة هذا الأسبوع لإنتخاب أول برلمان للبلاد منذ اطاحة الجيش بالرئيس محمد مرسي عام 2013. ويعد تصويت هذا الأسبوع الخطوة الأخيرة في الخريطة الإنتقالية التي دعمها الجيش, والتي تضمنت كتابة دستور جديد وانتخابات عام 2014 التي أكدت على تولي الجنرال عبدالفتاح السيسي منصب الرئاسة. وتقول الصحفية منى عزت "ليس لدينا نفس الفرص التي تتوفر لمؤيدين السيسي ولذلك جاء قرار الحزب بعدم تسجيل أى مرشحين للمرحلة الإنتخابية التي تستغرق يومين بداية من الأحد".

بمواجهة هذه التحديات فإن حزب العيش والحرية والذي تأسس منذ حوالي عامين ويضم – وفقًا لعزت – ألفًا من الأعضاء والمؤيدين لم يمتلك الموارد الكافية للدفع بمرشحين.

وتقول عزت ان قادة الحزب قد خافوا أيضًا من تعرض نشطاء الحملات الإنتخابية لحزب العيش والحرية للهجوم والإعتقال. "لم تعد الشوارع آمنة لأى أحزاب لا تدعم النظام الحاكم ويبدو الأمر كما لو أنهم يحاولون القضاء على كل أشكال المعارضة".

تُجرى الإنتخابات وسط حملات قمع لأى شكل من أشكال المعارضة. حيث أختفى خلال الأشهر الماضية عددًا متزايد من النشطاء ورموز المعارضة أو تم اعتقالهم, بينما رحل آخرون عن البلاد. ويتم اثباط أى انتقاد علني للحكومة بقسوة وتقوم وسائل الإعلام – عدا بعض المنابر المستقلة الشجاعة - بدعم النظام الحاكم ومرشحيه
قطعًا ليست انتخابات حرة

ليس حزب منى عزت فقط الذي يقاطع الإنتخابات: فلا يشارك فيها أى من الشخصيات الرئيسية التي ظهرت في انتفاضة 2011 ضد مبارك مثل محمد البرادعي الحائز على جائزة نوبل أو الوصيف الرئاسي السابق حمدين صباحي.

ويقول حسين مجدي ذو الاثنين وعشرين عامًا والذي يعمل كمدير برامج المفوضية المصرية للحقوق والحريات أن غياب المعارضة يأتي من التوافق العام على ان "هذه الإنتخابات ليست نزيهة وقطعًا ليست حرة".

ويقول مجدي في قهوة في وسط القاهرة أنه لا يعتقد بأنه سوف يكون هناك أى تزوير: فليس هناك حاجة لذلك. وينص القانون الإنتخابي المصري على أن تخصص خمس المقاعد البرلمانية فقط للقوائم الحزبية المغلقة – حيث تحصل القائمة الفائزة بأغلبية الأصوات على كل المقاعد وتخصص باقي المقاعد للمستقلين. ويقول مجدي إن هذا النظام الإنتخابي يفضل بوضوح الأحزاب الأكبر ولا يترك – إن ترك - سوي مساحة صغيرة لمرشحين المعارضة.

قال مجدي أنه يتوقع رؤية "برلمان مدجن" حيث يكافئ هذا النظام المرشحين المؤيدين للحكومة والمرشحين المعادين للديمقراطية الذين يميلون لتوفير الخدمات لدوائرهم الإنتخابية. ويتوقع معظم المراقبين أن تكون قائمة "في حب مصر" هى الفائز الأكبر والتي يصفها البعض مازحين ب"في حب السيسي"

ووفقًا للدستور المصري الجديد, فإن البرلمان يحوز السلطة لإبطال القرارات بقوانين التي أصدرها السيسي منذ وصوله للرئاسة في عام 2014. ويقول مجدي "أشك أنه سوف يكون هناك أى نقاش حول القوانين التي تم تمريرها" خصوصًا أنه من المتوقع أن يكون رئيس البرلمان عضوًا في قائمة "في حب مصر".

ويؤكد مجدي أن قليلون من أعضاء البرلمان سوف يكون لديهم الجرأة للإقتراب من قوانين السيسي المثيرة للجدل بما فيهم القانون الذي مرره السيسي مؤخرًا ضد الإرهاب والذي يفرض غرامات كبيرة على نشر أخبار تتعارض مع الرواية الرسمية عند تناول العمليات الأمنية.

ولذلك لا يمكن للعديد من النشطاء الذين نزلوا للشارع في عام 2011 دفع نفسهم للترشح أو حتى التصويت. وفي كافيه مكيف الهواء في ضاحية الزمالك الراقية, استهجنت نوران المرصفي المشاركة. حيث قالت المهندسة المعمارية صاحبة ال 26 عامًا أنها لن تشارك في الإنتخابات. "لا أثق في النظام فليس هناك وسيلة يمكن الوصول للتغيير بها عن طريقه" وأضافت أن "التصويت لن يحدث فارق".

وحول المرصفي جلس الرجال والنساء للكتابة على لابتوباتهم بينما دردش آخرون أثناء شرب أكواب الكابتشينو واللاتيه. وهى قد خرجت للشوارع مثل كثيرون في القاهرة للمطالبة بإسقاط حسني مبارك وبالمزيد من الديمقراطية. وبعد سقوط مبارك قامت هى وأصدقاءها بشن الحملات في المناطق الفقيرة مشجعين الناس على ممارسة حقهم الإنتخابي.

بينما الآن وبعد حبس ونفى العديد من زملاءها فإن المرصفي تشعر بأن صوتها لن يحدث فارقًا ملموسًا. "ليس هناك معنى لذلك" كما تقول.

يوم الأحد سوف تقوم المرصفي بالذهاب للعمل ثم العودة للمنزل بعد ذلك, أنه مجرد يوم عادي.



لقراءة المقال الأصلي باللغة الإنجليزية أضغط هنا

Tuesday, October 13, 2015

WP: الإنتخابات القادمة مجرد عرض جانبي لنظام السيسي

الإنتخابات البرلمانية المصرية مجرد استعراض جانبي لنظام السيسي

كتب : روبرت سبرنج  بورج (9 أكتوبر 2015)
ترجم : أحمد بدوي (14 أكتوبر 2015)

تعد الانتخابات البرلمانية المصرية والمقرر لها البدء في 18 أكتوبر القادم سيركًا سياسيًا أكثر منها خطوة على طريق الديمقراطية. فالهدف منها هو تسلية وتشتيت وتجنيد لاعبين سياسيين جدد بدلًا من المشاركة في تقرير – أو حتى التأثير في – مستقبل البلاد. وهى مع ذلك تكشف بوضوح نوايا وطبيعة النظام السياسي الذي ينشأ تحت حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي. ويبدو الأداء المنفرد للسيسي مشابهًا بشدة للعديد من رؤساء أمريكا اللاتينية, والذي وصفه الأديب جيولرمو أودونيل في مقاله المهم المنشور في جريدة الديمقراطية عام 1994 ب"الديمقراطية التفويضية".

وعلى العكس من الديمقراطية التمثيلية فإن الديمقراطية التفويضية هى مرحلة معطلة من مراحل التحول الديمقراطي, والتي يشعر فيها رئيس منتخب بأنه "مخول بالحكم كما يشاء ولا تحده سوى حقيقة علاقات السلطة الفعلية على الأرض". فالناخبون يفوضون سلطتهم للرئيس ثم يحكم هو بلا أى قواعد لتوازن السلطات الدستورية. ويلاحظ أودونيل أن خصائص الديمقراطية التفويضية هى نفسها خصائص النظم السلطوية المعتادة مثل القيصرية والبونابرتية والشعبوية ومايشابههم من نظم الحكم.

حسنًا إذأ, فما هى تلك الخصائص وهل هى تصف بشكل دقيق النظام "السيساوي"؟ الخاصية الأساسية للنظم السلطوية التفويضية هى وجود الشخصية المفتاحية, الرئيس, والذي يتم تصويره عادةً على أنه "المجسد لإرادة الأمة ووليها الأعلى والمدافع الأساسي عن مصالحها". ولإن الوضع السياسي في حالة فوضى فإن الرئيس "المفوض" لديه الحق والواجب في "علاج الأمة وإعطاءها الدواء المر الذي سوف يعيد لها صحتها".

ويبدو أن هذا التوصيف ينطبق بجدارة على السيسي. فصورته المتسامية عن ذاته تتداخل بقوة مع عقيدته الدينية ويصاحبها واجبه لقيادة الأمة, والتي عكسها في ديسمبر 2013 في اللقاء المسرب الذي قال فيه "أنا عندي تاريخ طويل من الرؤى. فعلى سبيل المثال أنا شفت نفسي شايل سيف مكتوب عليه باللون الأحمر لا إله إلا الله . وفي مرة تانية شفت الرئيس السادات وقال لي أنه عارف أنه حيكون رئيس مصر ورديت بإني عارف اني حكون الرئيس أنا كمان". ولابد من عدم الخطأ في تشخيص هذه الحالة بأنها حالة من جنون العظمة وإنما مفتاح لفهم سمة مميزة لنمط السلطوية التفويضية, حيث يخلط بين الأمة وبين نفسه بينما ينتحل صفة الطبيب لعلاج الأمراض التي شخصها بنفسه

ويظهر الدور الهامشي الموكل للتمثيل الديمقراطي للعيان في العملية المتلكئة والغير منظمة التي وضعت بها القواعد الإنتخابية (للبرلمان). فلم يتم ترسيم الحدود التاريخية للدوائر الإنتخابية وإنما محيت لصالح توسيع الدوائر وتجاوزها للمحافظات أحيانًا وهو ما يضمن بالتالي نجاح أصحاب الموارد المالية الضخمة والصلات الوثيقة بالنظام, ويضمن في الوقت ذاته فشل الأحزاب الصغيرة والمستقلين الحقيقيين. والذين قامت اللجنة العليا للإنتخابات بفلترتهم أصلًا عن طريق طلب اختبارين صحيين ونفسيين اتصفوا بالغرابة والتكلفة العالية و"اللا منطقية".

وقد استخدم الحظر المفروض على الأحزاب الدينية والحدود الموضوعة للإنفاق الإنتخابي لضمان عدم التوازن بين المرشحين والأحزاب ولتوفير حجة مسبقة لإلغاء نتائج الإنتخابات لاحقًا. وقد صممت النسبة الغريبة بين المقاعد المتنافس عليها بين المستقلين والأحزاب (بنسبة80 : 20 ) لتقليل عدد المقاعد التي يمكن أن تفوز بها أحزاب المعارضة, في الانتخابات المشكوك في دستوريتها بشكل متعمد, مما يعطي المحكمة الدستورية العليا – والتي تتبع الآن مجال النفوذ القوي للسلطة التنفيذية – سيف ديموقليس حقيقي فوق رقبة البرلمان المنتخب.

وبمجرد انتخابه فسوف يكون على ذلك البرلمان الإضطلاع بمهمة هرقلية هى مراجعة العديد والعديد من القرارات المهمة بقوانين - والتي صدرت عن السلطة التنفيذية خلال العامين الماضيين – خلال أسبوعين فقط. ويبدو أنه لضمان قبول هذه القرارات وخضوع البرلمان بالكامل للسلطة التنفيذية فقد قامت الحكومة بتعيين لواء متقاعد كأمين عام للمجلس في بداية هذا العام والذي يبدو مناسبًا للجميع عدا أغلب النواب الميالين للمعارضة.

ولا يبدو مفاجئًا أنه في وجه هذه القيود المشددة على الانتخابات والبرلمان الذي سوف ينتج عنها فإن القوى التي تتنافس على المقاعد قد تفتتت سياسيًا, وهو الهدف الذي صممت من أجله هذه القيود. لقد تم تجريم الأخوان المسلمين وحبس الآلاف من أعضاءهم, ما تسبب في حذف كتلة انتخابية مهمة من المعادلة. وقد انقسم المعارضون الحقيقيون الذين ظهروا كنتيجة لانتفاضة 2011 حول المشاركة والمقاطعة, وتحت أى غطاء سياسي يمكنهم المشاركة إن قرروا ذلك. وقد كافحت الأحزاب المسموح بها - والتي رعاها نظامي الرئيس المصري السابق والحالي مبارك والسيسي لإعطاء نكهة ديمقراطية – لتحديد مواقفها من الرئيس سواء مؤيدين بشكل تام للرئيس الجديد أو منتقدين مائعين له.

"الحزب" الوحيد الكبير والقادر كفاية على تقديم قائمة مرشحين على المستوى الوطني هو "في حب مصر" وهو يحمل بالأساس علامة "صنع في القيادة العليا للقوات المسلحة", ولكنه مع ذلك ليس الحزب الرسمي للنظام كما كان سابقه الحزب الوطني الديمقراطي في عهد الرئيسين السادات ومبارك. وللتمويه على هذه الصورة القاتمة فقد شكلت مجموعات من اللواءات المتقاعدين أحزابهم الخاصة, حيث يسعى أحدها لجذب الموالين لمبارك المتشككين في السيسي بينما يسعى آخر للتطبيل له ومهاجمة جماعة الأخوان.

وهذا الوضع هنا يناسب تماما مصالح الديكتاتوريات التفويضية مثل ديكتاتورية السيسي. حيث امتنع الرئيس بشكل واضح عن ربط نفسه ونظامه بأى حزب سياسي ما يتفق مع نموذج "الشخصية الأبوية" التي وصفها دوأونيل والذي يجب عليه رعاية الأمة بالكامل وتجنب الانقسام والصراعات المرتبطة بالأحزاب.

وقد استهان السيسي بإستمرار من أى معارضة لمبادراته, والتي لم يسعى في الحقيقة للحصول على أى دعم منظم لها, وحكم بدون برلمان لأطول مدة في تاريخ مصر الجمهورية. ويقدم نظام السيسي نفسه كنظام مجهول الهوية السياسية: حيث تظل أسماء مستشاريه المقربين غير معروفة ومشاركات الشخصيات العامة السياسية فيه إما ضعيفة أو منعدمة لإفتقارها لفرصة الوصول لقنوات المشاركة.

وعلى العكس من الديمقراطيات التمثيلية والتي يمر صنع القرار فيها بعملية بطيئة وتدريجية تنتج عن مشاركة العديد من المؤسسات المستقلة بها فإن النظم التفويضية لديها تلك الميزة المريبة بالقدرة على عمل تحولات سريعة في السياسات. وهنا فإن مصر السيسي تتبع ذلك النموذج مرة أخرى. فبمجرد انتخابه بدأ السيسي في اعلان سلسلة من المبادرات الجريئة. وهذه المشاريع المقترحة إما انها كانت خيالية بالكامل أو ذات منفعة هامشية وذلك لأسباب تقنية أو مالية, ومعظم تلك المشاريع العظيمة في عالم الخيال قد تم وقفها ثم هجرها لعدم اهتمام الناس بها. وبينما لا يثقل كاهل النظام الإرتباط بطبقة أو منطقة معينة ويطفو فوق الجميع فهو يحاول يائسًا إرضاء الفقراء والطبقة الوسطى وأحيانًا الأغنياء ولكن بدون نجاح نظرًا لمحدودية الموارد المتاحة له.

ويبدو أن تصرفات السيسي مشدودة الوتر قد أدت لكل العواقب المتوقعة لسياسة غير منظمة ولا متسقة ولا فعالة تتمحور حول شخص الرئيس. ما أكد ضخامة التقلب السياسي وزاد من عزلة الرئيس عن المؤسسات والقوى السياسية , وأدى بالتالي لتعرض النظام بأكمله للسخرية العميقة. وقد أبدى الناخب المصري اهتمامًا شحيحًا بالمسرحية الإنتخابية الحالية. وحتى معظم الممثلين فيها لا يبدو أنهم يحاولون التأثير في الناخبين قدر انهاء الخطوات المطلوبة منهم. حيث يركز الجميع عيونهم على الرجل الواقف فوق الحبل في انتظار رؤية ما إذا كان قادرًا على حمل الأمة للناحية الأخرى أم أنه سوف يسقط بها نحو القاع.

------------------------------------


 لمطالعة المقال الأصلي باللغة الإنجليزية يرجى الضغط هنا

المؤلف : أستاذ متقاعد لعلاقات الأمن القومي في كلية الدراسات العليا البحرية وأستاذ زائر بقسم دراسات الحرب بالكلية الملكية في لندن   

Monday, September 7, 2015

WP : السؤال الصحيح عن الحكومات

كتب : إي. جي. ديون جونيور (6 سبتمبر 2015)

ترجم : أحمد بدوي (7 سبتمبر 2015)

وزير العمل الأمريكي توماس بيريز

يجادل العديد من المحافظين والليبرتاريين أن كل قانون جديد أو لائحة يتم وضعها تعني أن الحكومة تزيد من ترسانتها من أدوات القمع وتقلص جزء من مساحة الحريات الفردية
هذه الطريقة في النظر للأشياء تبسط بشدة الجدل السياسي. فالقضايا المحلية تتفكك حتى تصل للسؤال عما إذا كان المرء "مع-الحكومة" أو "ضد-الحكومة".
وللأسف فإن هذا التبسيط المخل يفشل في فهم طبيعة الإختيارات التي يواجهها المشرعون والسياسيون والمواطنون عادة. فهى تتجاهل حقيقة أن نظام السوق نفسه لم يكن ليوجد لولا القواعد التي تقرها الحكومة بداية من الأصول القانونية التي تحمي الملكية الخاصة والاجراءات المتعددة ضد استخدام القوة والاحتيال في الأعمال التجارية والمعاملات الخاصة.
والأكثر أهمية أنها تتجاوز الوسائل التي تدعم بها الخطوات التي تتخذها الحكومة المواطنين وتوسع من حقوقهم. وليس هناك مثال أوضح على ذلك من عالم الأعمال.

والفترة التي سبقت عيد العمال هذا العام شهدت ظهور العديد من المقالات الإخبارية والتعليقات على تحركات المجلس الوطني لعلاقات العمل ووكالات حكومية أخرى لتقوية حقوق العمال وتحسين قدراتهم التفاوضية في مواجهة أصحاب الأعمال.

حيث قام نعوم شيبر بعرض تقرير مهم في النيويورك تايمز عن "كيف تخوض إدارة أوباما حملة عدائية لإستعادة مستوى الحماية الذي يتمتع به العمال والذي تآكل أمام الأنشطة التجارية والحكم المحافظ وتطور الإقتصاد في العقود الأخيرة".

ومن المعالم التي أشار إليها شيبر قرار محكمة استئناف أمريكية بتأييد حكم صدر في حقبة أوباما بتوفير حد أدنى للأجور والحق في أجر ساعات العمل الإضافي لما يقرب من 2 مليون من عمال الخدمة الصحية المنزلية. والذين لابد أنهم قد شعروا بدعم الحكومة لهم لا بقمعها لهم. وكذلك عمال المقاولات والفرنشايز والذين ضمن لهم المجلس الوطني لعلاقات العمل حق التفاوض الجماعي.

وتعد سلاسل مطاعم الوجبات السريعة مثال واضح على كيف أن الثغرات المتعلقة بالترتيبات الجديدة للعمل يمكنها أن تحرر أصحاب الأعمال من إلتزاماتهم التقليدية. ففي حالة موردين الهامبرجر والدجاج فإن الشركات الأم تضع تعليمات تفصيلية عن كيفية إدارة شركات الفرنشايز – ولكنها عند مناقشة حقوق العمال تدير ظهرها وتدعي أن شركات الفرنشايز مستقلة عنها بالكامل.
وأحد أشد الصراعات روعة يجري الآن حول لوائح جديدة تسعى وزارة العمل لإصدارها للتأكد من أن النصائح التي يعطيها خبراء الإستثمار لأصحاب معاشات ال401 وحسابات التقاعد الخاص تنبني على أفضل مصلحة ممكنة للعميل. وذلك بجانب خطط المساهمة التقاعدية المحددة والتي تنطوي على استثمارات ب13 تريليون دولار.

يتطلب عرض وزارة العمل أن يخضع خبراء الاستثمار لقواعد "ائتمانية" – بمعنى أن الاستثمار الأفضل للعميل يجب أن يكون هو المعيار الوحيد في عرض الاستشارات على العملاء. وإن بدا ذلك أمرًا بديهيًا فهو ليس ما يطلبه القانون الحالي. وكما قال وزير العمل توماس بيريز في مقابلة أن المعيار الحالي هو أن يكون الإستثمار مناسبًا. "ماهو ’المناسب’ بحق الجحيم؟" يتسائل بيريز, منوهًا أنه يأمل في الحصول على أكثر من مجرد نصيحة "مناسبة" من طبيبه.

القضية هى هل يمكن لبعض مستشارين الإستثمار عرض ارشادات متضاربة متأثرين ب"الدفعات الخلفية والمصاريف الخفية التي عادة ما يمكن دفنها في الفواتير" كما قالت وزارة العمل في وثيقة تشرح لماذا التغيير مطلوب.

يقول بيريز "لا أعتقد أن الناس الذين يعطون النصائح يستيقظون وفي قلوبهم رغبة في الأذى". ولكنه أمر طبيعي للغاية أن من يعطي النصيحة يميل لإعطاء النصائح التي يمكن أن تفيده أيضًا. "مفاجأة! لو أن لديك أربع أو خمس منتجات مناسبة وواحدة منهم تعطيك عمولة فتصور إلى أين ستذهب بإستثمارك؟" يقول بيريز أن القواعد الجديدة - والتي تجابهها معارضة قوية من بعض أجزاء صناعة الاستثمارات المالية - هى محاولة لإعادة تنظيم الحوافز.

معركة قانون الاستثمار هى مثال شبه كامل لكيفية دعم الحكومة الواضح للأسواق الحرة – فما هو في مصلحة السوق أكثر من بناء حافظة استثمارية؟ - ولكنها أيضًا تحاول التأكد من أن القواعد التي تحكم العملية الإستثمارية تميل مع مصالح الأفراد الذين يخاطرون بأموالهم.


وطالما ظلت هناك أسواق فإنه سوف تستمر الحاجة للحكومات لوضع قواعد عملها. والتي تؤثر بالضرورة على مصالح المشاركين في السوق. العديد من الإختيارات ليست بين حكومة أكثر أو حكومة أقل. بل هى بين هل تقوم تلك الحكومة بتوفير استفادة أكبر للعمال أم لأصحاب الأعمال, للإدارات أم الإتحادات, المستثمرين الأفراد أم مؤسسات الإستثمار.

=====================================

لقراءة المقال الأصلي باللغة الإنجليزية أضغط هنا
اي جي ديون هو كاتب مقال رأى وزميل بقسم دراسات الحكم بمعهد بروكنجز وأستاذ بجامعة جورج تاون ويعلق بشكل مستمر على السياسة في الراديو الوطني

Nuke us but take the Junta away

Japan was bombed by the atomic bomb but this didn't stop it's from rising again, the reason however is simple, not even the worse catastrophes that face a nation can demolish its chances to revive as long as it has skillful political leaders who are able to lead the country and ongoing democratic process shows up the best along the way.

Egypt preceded the Japanese renaissance and was ahead of it in science, art and economy but it was plagued by what is much more destructive than the atomic bomb, we were plagued by a military coup that executed a growing democracy and a promising multipartisan constitutional system (which had its own "natural" mistakes).

The Black Coup of July with all its losers and on top of them The Father of Defeat ABd El Nasser swept the Egyptian constitution and parties, and burned its democracy to the ground turning the country to a "cattle farm" ruled by Junta who controlled a Nasi Hitrelite security apparatus and detention camps full of thousands of political prisoners.

A state was leveled completely until it became handicapped in front of two strict options, two fascists; a religious and a national military one, the voice of democrats is not heard any more, words as pluralism, democracy, freedom and respecting the constitution are unlikely to be tolerated and may easily put you in jail for using them.


I swear that if Egypt was hit by an atomic bomb like Japan but didn’t fall under the 1952 fiasco it would be able to survive and to come back as a giant respected by all, but Egypt is suffering under the Junta (Mamluks) rule which is much worse than the bomb.


A famous scene from the movie "The Innocent" displaying the political detention camps in Nasser era



كتب : وليد عبدالله 6 سبتمبر 2015
ترجم : أحمد بدوي 7 سبتمبر 2015

اليابان تم قصفها بسلاح نووى بس دة ما عطلش نهوضها من جديد والسبب بسيط ان حتى تحت أكبر الكوارث اللى ممكن تتعرضلها كدولة فرصك فى النهوض تظل قائمة طالما بقى فى الدولة رجال سياسيون مهرة قادرين على النهوض بالوطن وتجربة ديمقراطية لم تتعطل عجلتها و تفرز الأفضل على طول الطريق ..


مصر التى سبقت اليابان فى نهضتها وكانت أكبر حظا منها فى العلوم والفنون والاقتصاد ابتليت بما هو أبشع من السلاح النووى .. ابتليت بانقلاب عسكرى أطاح بديمقراطية وليدة وتجربة دستورية وحزبية كانت مبشرة رغم أخطائها " الطبيعية " ..

انقلاب يوليو الأسود بنكسجيته وعلى رأسهم ابو الهزايم ناصر الخراب أطاح بدستور مصر وبأحزاب مصر وبتجربة مصر الديمقراطية الوليدة وجرف تربتها تجريفا تاما وحولها لدولة القطيع يحكمها العسكر ونظام أمن نازى هتلرى بامتياز ومعتقلات امتلأت بآلاف المسجونيين سياسيا ..

دولة تم تجريفها تماما حتى أصبحت عاجزة تماما ومكبلة أمام خيارات أصبحت محدودة للغاية تنحصر بين فاشيتين احدهما دينية والاخرى عسكرية وأصبح صوت الديمقراطيين فيها خافتا وغير مسموع وأصبحت كلمات مثل التعددية والديمقراطية والحرية واحترام الدستور بمثابة كلمات غير مستساغه ومكروهه يعاقب صاحبها بالاعتقال.

والله لو قصفت مصر بسلاح نووى كاليابان ولم يحل بها وكسة كوكسة يوليو 52 لكانت مصر قادرة على تخطيها والعودة من جديد عملاق يهابه الجميع .. لكن مصرنا ابتليت بما هو أشد فتكا من النووى ابتليت بوباء اسمه حكم المماليك.

Friday, November 14, 2014

أستاذ اسرائيلي: هل يجب على امريكا قطع المعونة العسكرية عن مصر؟

هل يجب على واشنطن وقف معونتها لمصر بعد تولي قيادتها الجديدة؟

كتب: يهودا بلانجا
ترجم للغة العربية: أحمد بدوي 


              رغم توقيعها لمعاهدة سلام مع اسرائيل إلا أن القوات المسلحة المصرية تستمر في استقبال الآلاف من الدبابات والمئات من الطائرات من واشنطن. ووفقًا لشانا مارشال من جامعة واشنطن "لا يوجد سيناريو يمكن تصوره يمكن أن يحتاجوا فيه لكل هذه الدبابات إلا الغزو الفضائي"

بعد عقدين من انهيار الإتحاد السوفييتي وماترتب عليه من ضعف للمعسكر العروبي المتشدد, وبعد عقدين ونصف من توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية وانتهاء الخطر الأكبر على الأمن المصري, فإن احتفاظ مصر بآلاف الدبابات ومئات الطائرات المقاتلة يبدو بلا معنى. ومع ذلك فإن وقف واشنطن لمعونتها العسكرية البالغة 1.3 مليار دولار سنويا بعد اطاحة الجيش المصري بالرئيس محمد مرسي أثار عاصفة من الغضب مع تهديد السلطة العسكرية بالرجوع لكفيلها الروسي السابق.

 لماذا تستمر القاهرة في الالتزام بهذه الاستراتيجية العسكرية التي عفا عليها الزمن؟ هل بالغت الإدارة الأمريكية في قدراتها معتبرة أنه يمكن التهديد بوقف المعونة العسكرية لخلق تأثير سياسي؟ وماهي آثار تلك الحادثة على مصر والشرق الأوسط؟


المشهد من ناحية نهر النيل

رغم معاهدة السلام الموقعة سنة 1979 بين مصر واسرائيل, فإن مصر لم تستوعب بعد أنها في سلام مع جيرانها في الشرق. ما يسود بين الطرفان هو "سلام بارد" حيث لم يرد نظام مبارك خلال فترة حكمه البالغة 30 عامًا أن يزد من تطبيع العلاقات الثنائية أو أن يغير من رأى العامة وتصوراتهم عن المواطنين الاسرائيليين تحديدًا واليهود بشكل عام.

ولذلك فإن ليس فقط "مصر الرسمية" بل والجمهور بشكل عام لايزال يرى في اسرائيل عدو محتمل يتحتم التكافؤ معه. وقد ألمح وزير الدفاع الأسبق محمد طنطاوي لذلك في مجلس الشعب في فبراير 1996:

السلام لا يعني الاسترخاء. فالتطوير المستمر للنظم العسكرية وسباق التسلح يثبتان أن البقاء للأقوى ... القوة العسكرية أصبحت شرطًا أساسيًا من شروط السلام.

وبالتبعية فقد أجرت القوات المسلحة المصرية مناورات واسعة تتضمن محاكاة هجومًا على دولة - دولة شرقية عادة. وفي المناورات الثلاثة الكبرى - والتي جرت في سبتمبر 1996 و أبريل 1998 وفبراير 2009 - قامت القوات المصرية بمحاكاة صد غزو اسرائيلي عن طريق عمليات الإنتقال من الدفاع للهجوم وعبور قناة السويس واستعادة السيطرة الكاملة على شبه جزيرة سيناء.

وكنتيجة لذلك فقد انتهجت مؤسسة الدفاع المصرية سياسة تكافؤ استراتيجي مع اسرائيل, تجلت في برنامج تحديث شامل طويل الأمد, بدأ منذ الثمانينات وأستمر لأكثر من عشرين عامًا. وفي نهايته كانت القوات المسلحة المصرية قد تحولت لمؤسسة عسكرية "غربية" حديثة وتخلصت من النفوذ السوفييتي الذي يعود تاريخه للخمسينات. وفي 2014 تمتلك مصر عاشر أكبر جيش في العالم بما يقارب 460000 جندي في الجيش النظامي.

وحقيقة أن الضباط المصريين (بما فيهم الرئيس عبد الفتاح السيسي) قد حضروا دورات تدريبية في مؤسسات أمريكية مثل كلية الحرب في كارلايل ببنسلفانيا وكلية القيادة والأركان العامة في فورت ليفنوورث بكنساس وجامعة الدفاع الوطني في واشنطن العاصمة تعد رمزًا بارزًا لخروج مصر من العباءة السوفيتية على عكس الماضي عندما تضمُّن مجال دراسة الضباط المصريين الماركسية وطبيعة عمل الحزب الشيوعي, هم الآن يدرسون الديمقراطية وعلو السلطات المدنية على العسكرية. ووفقًا للميجور جنرال المتقاعد روبرت سكيلز والذي خدم كقائد لكلية الحرب "هذا الجيل الجديد من الضباط المصريون قد تعرضوا للعسكرية الأمريكية وقد أعجبوا ليس فقط بالطريقة التي نحارب بها حروبنا ولكن أيضًا بالعلاقة بين الجيش والمجتمع". ومع ذلك فإن انقلاب 30 يونيو يثير شكوكًا جادة حول مدى عمق استيعاب هذه القيم الديمقراطية.

بالإضافة إلى أن القوات المسلحة المصرية تشارك في تدريبات مشتركة مع العديد من الجيوش الغربية والشرق أوسطية: في 2009 نفذ الجيش المصري مناورات مع القوات المسلحة الفرنسية والإيطالية والبريطانية والهولندية والألمانية, بينما نفذت التدريبات المصرية-التركية والأمريكية-المصرية في 2012. ذروة هذا التعاون العسكري هو مناورة النجم الساطع المشتركة بين مصر والولايات المتحدة والتي أجريت تقريبا مرة كل عامين منذ 1980. ولكن تم إلغاء مناورة 2011 نتيجة للأحداث التي أحاطت بخلع الرئيس حسني مبارك في ذلك العام, وأيضًا قام الرئيس أوباما بإلغاء مناورة 2013 بسبب انقلاب القوات المسلحة المصرية على مرسي. وفي كلا المرتين كانت هناك تداعيات لهذا الإلغاء على العلاقات المصرية الأمريكية.

الجنرال عبد الفتاح السيسي بجانب الرجل الذي أطاح به, القائد في جماعة الأخوان المسلمين, الرئيس المصري محمد مرسي. الانقلاب المدعوم شعبيًا يشكل معضلة من المعضلات الملتوية أمام السياسة الخارجية لواشنطن التي تحاول تقرير ماإذا كانت سوف تستمر في الدعم العسكري للقاهرة , وإذا فعلت ذلك , فأى نوع من الدعم ستقدمه.


المشهد من ناحية نهر بوتوماك

تعد مصر منذ عام 1979 - بالإضافة للسعودية - واحدة من حجري زاوية السياسة الأمريكية في العالم العربي. حيث عملت كوسيط في مباحثات السلام العربية الإسرائيلية والفلسطينية الاسرائيلية, كما عملت على نشر الوسطية ومكافحة التطرف في العالم العربي, كما أنها توفر الدعم العسكري للقوات الأمريكية المتمركزة في المنطقة. إن أهمية مصر الجيواستراتيجية تكمن في حقيقة أنها الجسر بين الشرق والغرب, حيث تقع في تقاطع الشرق الأوسط مع شمال أفريقيا وآسيا, والأكثر أهمية من ذلك هو سيطرتها على قناة السويس. للتحرك سريعًا بين البحر الأبيض المتوسط والخليج الفارسي فإن الأسطول الأمريكي يعبر قناة السويس بإذن من السلطات المصرية. أى تأخير أو قيود سوف تحتم على حكومة الولايات المتحدة وضع قوات بحرية بالقرب من رأس الرجاء الصالح وحوله في جنوب أفريقيا من أجل الوصول للخليج الفارسي والمحيط الهندي. وكنتيجة لذلك فيجب على واشنطن الحفاظ على علاقات وثيقة بالقاهرة رغم تغيرات النظام منذ 2011.

ويتعلق الجزء الثاني للدعم العسكري المستمر لمصر بالمزايا التي تحققها صناعة السلاح الأمريكية. يوافق الكونجرس كل عام منذ 1986 على معونة عسكرية مقدارها 1.3 مليار دولار لمصر, وهى ثاني أكبر حزمة مساعدات بعد التي تحصل عليها اسرائيل. ولكن لا يحصل الجيش المصري على هذا المبلغ نقدًا: وإنما مثل الاسرائيليين فإن نصيب ضخم من هذا الكرم يدفع للمقاولين العسكريين الأمريكيين الذين يقومون بتجميع الدبابات والطائرات وإرسالهم لمصر. نقلت واشنطن 221 طائرة F16 بقيمة 8 مليار دولار لمصر كجزء من حزمة المعونة العسكرية رغم أن المستشارين العسكريين الأمريكيين يقولون منذ سنوات أن مصر لديها طائرات ودبابات كافية ولا تحتاج للمزيد

وبالمثل فأكثر من ألف دبابة من طراز ابرامز قد نقلت لمصر منذ 1992 بتكلفة 3.9 مليار دولار رغم أن مايقرب من 200 دبابة منهم لم تخرج من علبها ولم تستخدم أبدًا. مثل هذا الاتفاق يمكن أن يكون له فوائد داخل مصر أيضًا: فمصنع أبوزعبل لإصلاح الدبابات (المعروف بمصنع 200 الحربي) في حلوان هو موقع الإنتاج المشترك لدبابات ابرامز ويعمل فيه الآلاف من العمال المحليين. وكنتيجة لذلك فإن مقاولين الدفاع الأمريكيين يربحون الملايين من الدولارات سنويًا ويوظفون عشرات الآلاف من العمال كنتيجة مباشرة للمعونة العسكرية الأمريكية لمصر ودول أخرى في الشرق الأوسط. وبكلمات بروس بارون رئيس صناعات بارون بأكسفورد بميتشيجان, والتي تصنع أجزاء الدبابة ابرامز من طراز M1A1 التي ترسلها الولايات المتحدة لمصر: "المعونة التي نعطيها لمصر تعود مرة أخرى للولايات المتحدة وتحافظ على وظائف 30 عامل من عمالي." وبالتالي فإن أصحاب الأعمال الصغيرة مثل صناعات بارون يعملون في تناغم مع المؤسسات الصناعية الكبرى مثل جنرال دايناميكس لدعم لوبي يجمع السياسيين المحليين ورجال الأعمال والاتحادات العمالية لتوعية أعضاء الكونجرس بشأن التداعيات المحلية التي قد يحدثها تقليل الانتاج العسكري أو تجميد مشاريع الانتاج.

مقاولين الدفاع الأمريكيون يكسبون الملايين سنويًا ويوظفون عشرات الآلاف من العمال في كنتيجة مباشرة للمعونة الأمريكية لمصر ودول أخرى في الشرق الأوسط. هذه دبابات ابرام يتم تجميعها في مصنع جينيرال داينامكس في ليما بولاية أوهيو


المعونة الأمريكية : الاحتجاج والمصالحة

هذه هى خلفية الجدل حول وقف المعونة العسكرية لمصر والتي ظهرت لأول مرة خلال أحداث يناير وفبراير 2011 عندما قامت قوات أمن نظام مبارك بإستخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين. وتم إلغاء فكرة وقف المعونة بعد  سقوط مبارك في ضوء التنسيق والتعاون بين القيادة العليا المصرية ومثيلتها في الولايات المتحدة. كما شعرت واشنطن أن مصر تتجه لإنتخابات ديمقراطية حرة مايعني أن استمرار المعونة سوف يدعم الديمقراطية ويقوي الاستقرار في هذا البلد.

طرح التساؤل حول استمرار المساعدة العسكرية مرة أخرى بعد سقوط الرئيس مرسي في يوليو 2013, والذي كان بجميع مقاصده وأغراضه انقلاب عسكري, وإن كان بدعم شعبي مهول. النفور الأمريكي من مثل هذه التغييرات غير الديمقراطية للحكومات يترجمه قانون يمنع اعطاء المساعدة الاقتصادية - بقليل من الاستثناءات - لحكومة أى دولة تقوم بإزاحة رأس السلطة المنتخب انتخابًا سليما بإنقلاب عسكري أو فرمان. مع ذلك فقد امتنعت ادارة أوباما في البداية عن وصف ازاحة مرسي بهذه المصطلحات. ولم يكن التدخل العسكري في السياسة المصرية هو الشئ الوحيد الذي أغضب واشنطن, بل هناك أيضًا حقيقة شن القوات المسلحة حملة قمع عنيفة ضد الأخوان المسلمين.

في يوليو الماضي تم تأجيل التسليم المفترض لأربع طائرات F16. وفي 15 أغسطس ألغى أوباما المناورة المصرية الأمريكية المشتركة والتي كان يفترض تنفيذها في سبتمبر, بالإضافة لقيام مسئولين بارزين في الإدارة الأمريكية بإدانة الفض العنيف لتجمعات مؤيدين الأخوان المسلمين في اليوم السابق.

رد فعل المسئولين العسكريين البارزين وأعضاء الحكومة المؤقتة على الادارة الأمريكية لم يتأخر كثيرًا. فعلى خلفية الإنتقادات أجرى الزعيم المصري الجديد السيسي مقابلة مع الواشنطون بوست هاجم فيها ادارة أوباما. حيث قال: "أنتم تخليتم عن المصريين, أدرتم لهم ظهوركم وهو مالن ينسوه لكم." وأضاف ان تجميد تسليم الطائرات المقاتلة "ليس طريقة للتعامل مع جيش وطني" وأشتكى من ضعف الدعم الأمريكي لـ"الأحرار الذين ثاروا ضد حكم سياسي ظالم". وسرعان ما ترددت انتقاداته في كلمات حازم الببلاوي رئيس الوزراء الذي أضاف أن مصر قد حصلت على معونات عسكرية من روسيا لفترات طويلة في الماضي وبذلك فليس هناك سبب للقلق.

ومقابل هذه التصريحات القوية - وان كانت مقيدة - لمسئولين القاهرة, ظهر الغضب على المستوى الشعبي بشكل أكثر قوة ووضوح. حيث دعا حسام الهندي (أحد قادة حركة تمرد) الجموع للنزول للشوارع في يوليو بعد الانقلاب مباشرة للدفاع عن الثورة ضد الأخوان المسلمين, والذين أتهمهم بالتعاون مع الولايات المتحدة لإسقاط شرعية الثورة. وأدعى أن للجماعة تاريخ طويل من العلاقات الوثيقة مع ادارة أوباما والذي ظهر في الدور الكبير الذي لعبته في الضغط على حماس للوصول لهدنة خلال العدوان الأسرائيلي الأخير (عملية عمود الدفاع).

وعندما هددت الولايات المتحدة بقطع المعونة عن مصر أطلقت حركة تمرد حملة احتجاجية تحت عنوان "أمنعوا المعونة", تبعتها بوقت قصير بحملة "لإستعادة السيادة". احتجاجًا على ما أسماه قادتها محاولة الولايات المتحدة التدخل في الشئون الداخلية المصرية, ونشرت عريضة على موقعها الإلكتروني للدعوة لوقف المعونة الأمريكية وإلغاء معاهدة السلام مع اسرائيل: بعد التدخل الأمريكي غير المقبول في الشئون المصرية والكيفية التي دعمت بها الولايات المتحدة المجموعات الإرهابية في مصر, أوقع هذه العريضة كمواطن مصري للمطالبة بإجراء استفتاء حول موضوعين. الأول هو رفض المعونة الأمريكية بكل أشكالها. والثاني إلغاء معاهدة السلام بين مصر والكيان الاسرائيلي واعادة صياغة المعاهدات الأمنية لضمان حق الدولة المصرية في تأمين حدودها.

ولم يدخر محمود بدر (أحد مؤسسي تمرد) كلماته في مهاجمة أوباما لإدانته لثورة 30 يونيو. حيث طالب واشنطن بعدم التدخل في الشئون الداخلية المصرية خصوصًا في صراع الجيش والمتظاهرين ضد ارهاب الأخوان المسلمين, معلنًا في تعبيرات واضحة أن مصر لم تعد في حاجة لمعونة الولايات المتحدة الأمريكية: "أقول لك أيها الرئيس أوباما , لماذا لا تذهب أنت ومعونتك الصغيرة عديمة المعنى للجحيم؟" بالنسبة لبدر وأعضاء حركته الإحتجاجية فإن الكفاح المسلح واراقة الدماء كانوا ثمنًا ضروريًا لإنقاذ الأمة من جماعة الأخوان

بعد شهرين تقريبًا, في التاسع من أكتوبر, صعدّت واشنطن من ضغطها على الحكومة المصرية المؤقتة حيث أعلنت قرارًا بـ"الحفاظ على علاقتنا بمصر مع إعادة تقييم مساعدتنا للمضى قدمًا بمصالحنا بشكل أفضل". شدُّد البيان على استمرار حصول القاهرة على مساعدات الرعاية الصحية والتعليم والقطاع الخاص, كما ستساعد الولايات المتحدة مصر في حماية حدودها ومحاربة الإرهاب والحفاظ على الأمن في شبه جزيرة سيناء مع توفير التدريب للقوات المصرية وقطع الغيار للمعدات العسكرية الأمريكية في مصر. ولكن أضافت وزارة الخارجية أن الإدارة الأمريكية قد قررت تجميد نقل أنظمة الأسلحة الرئيسية والتمويل للنظام العسكري حتى تشكيل حكومة مدنية ديمقراطية منتخبة في انتخابات حرة وعادلة.

وفي رد فعل الحكومة المصرية أصدر بدر عبدالعاطي المتحدث بإسم الخارجية بيان رسمي أشار فيه إلى أن تلك الخطوة تثير تساؤلات عن مدى رغبة الإدارة الأمريكية في تقديم الدعم الاستراتيجي الدائم لأمن مصر. ترغب القاهرة في الحفاظ على علاقات دافئة مع واشنطن, ولكن مع الحفاظ على استقلالها الكامل فيما يخص شئونها الداخلية ولن تتأثر بأطراف خارجية.

في الأسبوع التالي أصدر وزير الخارجية نبيل فهمي تصريحات مشابهة مستنكرًا وصول التوتر بين القاهرة وواشنطن لوضع حرج. مع ذلك فإن تجميد المعونة شئ يمكن للشعب المصري التعامل معه: "الشعب المصري لن يتردد في تحمل عواقب مثل هذا الموقف للحفاظ على حرية اختياراتهم بعد ثورتين. يجب على القاهرة فتح أبوابها لقوى أخرى مؤثرة على الساحة الدولية. مثل هذه الخطوة سوف تعطيها قنوات أخرى متعددة للتحرك وتمهد الطريق لعلاقات أقوى بروسيا والصين. وأضاف فهمي أن هناك جانب إيجابي في القرار الأمريكي: "أنه سوف يساعد كلًا من مصر والولايات المتحدة على إعادة تقييم وتقدير علاقتهم في المستقبل".  

فشلت ادارة أوباما في توقع كيف ستؤثر تصريحاتها وتصرفاتها في كلًا من عامة المصريين وقادتهم. لم تفشل فقط في تقدير عمق النفور العام من المحاولات الاستبدادية للأخوان لتحويل مصر لثيوقراطية اسلامية , ولكن الأهم من ذلك إنها لم تستوعب كيف ستُرى ردودها كإهانة وهجوم على الكبرياء الوطني. ينظر المصريون لحكومة الولايات المتحدة على أنها تتصرف كأنها أشترت البلد بالمعونة وتحاول استخدامها للتدخل في شئونها الداخلية. 
تعامل الرسميون المصريون مع الموقف بهدوء ومسئولية. فالتصريحات التي أصدرتها القيادة عكست الرغبة في الحفاظ على العلاقات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة ولكن أيضًا نجحت في الدفاع عن الشرف الوطني. وفي نفس الوقت مهد السيسي ورفاقه الطريق لدخول لاعبين آخرين - روسيا والصين - والذين يستطيعون توفير أسلحة ومعدات للجيش المصري. 

محمود بدر , أحد مؤسسي تمرد لم يبخل بكلماته عندما هاجم أوباما لإدانته لثورة 30 يونيو, معلنًا بعبارات واضحة أن مصر لم تعد تحتاج للمعونة الأمريكية : "أقول لك أيها الرئيس أوباما لماذا لا تذهب أنت ومعونتك الصغيرة عديمة المعنى للجحيم؟"


تداعيات وقف المعونة الأمريكية

يبدو أن هناك ثلاثة عواقب رئيسية تترتب على تقليل حجم المساعدة العسكرية الأمريكية لمصر ولكن لا تقتصر كلها على مصلحة مصر. ولدورها في اسقاط مبارك فإن واشنطن أرسلت رسالة لأعدائها وحلفاءها في الشرق الأوسط أن كلماتها و"صداقتها" بلا معنى محدد. إذا كان حليف مخلص مثل مبارك - الذي حافظ على علاقات وثيقة بالولايات المتحدة وخدم مصالحها جيدًا لثلاثين عامًا - يمكن ان يجد نفسه مرمي تحت الأتوبيس عندما تكون هناك مشاكل, إذًا فليس هناك أحد آمن.

قوى انتقاد ادارة الولايات المتحدة لإسقاط الأخوان الشكوك حول مصداقيتها بعد ذلك. اسقاط الجماعة - وهى قوة دينية وسياسية تعرف بوضوح معارضتها للقيم الغربية - كان يجب أن يخدم المصالح الأمريكية, لكن على الرغم من ذلك فقد أدانته واشنطن وأدانت الجيش المصري, والذي تعتبره الغالبية أكثر علمانية ووسطية, وبالتالي أكثر اتساقاً مع واشنطن وقيمها. لم تساهم فقط التصريحات بشأن الحاجة لتجميد المعونة العسكرية في هز استقرار الشارع المصري و ولكن أيضًا بدت وكأنها تشجع الجماعات الإسلامية وتظهر عدم دعم ارادة ملايين المتظاهرين من المعسكر المعادي لمرسي. رفض واشنطن لمساعدة قاهرة مابعد مرسي ظهرت كدليل على عدم ولاء الولايات المتحدة لحلفاءها ولبعض الناس دليل على ضرورة محاربتها والخيانة التي تمثلها.

والعاقبة الثانية تتعلق بالعلاقات المصرية الإسرائيلية, وككل نقاش يتعلق بالمعونة الأمريكية لمصر يظهر فيه نقاش لمعاهدة السلام المصرية الاسرائيلية. وبرغم أن الولايات المتحدة ليست طرف قانوني في اتفاق السلام بين مصر واسرائيل وبرغم أن ذلك الاتفاق لا يتضمن أى  شروط تجبر واشنطن على امداد أيًا من مصر أو اسرائيل بمعونة عسكرية أو اقتصادية, إلا أن الولايات المتحدة قد ألحقت مذكرتين مرفقتين تحدد إلتزاماتها لكلا الطرفين. كوسيط بين الطرفين وكطرف يسعى لضمان توازن القوى في المنطقة والاستقرار والتعاون المصري الاسرائيلي, وقد أعطت واشنطن بشكل تقليدي وبموافقة الكونجرس المساعدات لكلًا من مصر واسرائيل. وكنتيجة لذلك فالإدعاء المصري بأن السلام مع اسرائيل يرتبط بالمعونة الأمريكية الاقتصادية والعسكرية مبرر إلى حد معقول.

حقًا , هناك مخاوف في اسرائيل من أن قطع أو تجميد المعونة العسكرية لمصر قد يؤثر سلبًا في التعاون الأمني بين القدس والقاهرة, بل والأسوأ على اتفاقية السلام نفسها. حيث تعتقد اسرائيل أن أموال المعونة الأمريكية لمصر هى السبب الوحيد لإلتزام مصر بالمعاهدة وان بدونها فلن يشعر النظام المصري بالحاجة للحفاظ عليها

بعد اسقاط محمد مرسي تقاربت العلاقات بين موسكة والقاهرة. في 13 نوفمبر 2013 ولأول مرة منذ غيرت مصر توجهها من الشرق للغرب في منتصف السبعينات قام سيرجي لافروف (الثاني من اليسار) وزير الخارجية وسيرجي شويجي (على اليمين) وزير الدفاع بزيارة مصر وقابلهم وزيرا الدفاع عبدالفتاح السيسي والخارجية نبيل فهمي 


النتيجة الثالثة والأخيرة للتهديد أو التقليل الفعلي للمعونة الأمريكية هو تنامي أدوار الدول الأخرى , تحديدًا روسيا في العلاقات في الشرق الأوسط. يُنظر للولايات المتحدة تحت ادارة أوباما على انها قوة ضعيفة تنسحب ببطأ من المنطقة. ولإن علوم الطبيعة - والسياسة أيضًا - تكره الفراغ فتردد الولايات المتحدة يشجع القوى المنافسة على لعب دور أكبر في مصر وهو مالا يبشر بالخير على المدى البعيد. ويشهد التاريخ الأمريكي على ذلك. 

حاولت ادارة آيزنهاور في الخمسينات استغلال المساعدة العسكرية والتكنولوجية والاقتصادية لإقناع جمال عبد الناصر بالإنضمام لتحالف لحماية المنطقة من الشيوعية. ولما فشلت مغازلة القاهرة رفضت واشنطن امداد مصر بالأسلحة المطلوبة وسحبت بعد ذلك عرضها بتمويل انشاء السد العالي. وفشلت هذه الاستراتيجية حيث وفرت موسكو السلاح للقاهرة سريعًا عبر تشيكوسلوفاكيا. في البداية لم يكن عبدالناصر يرغب في ربط نفسه بإحدى القوى العظمى, بل فضل المراوغة البارعة بين واشنطن وموسكو. وفي عملية طويلة صبورة تطورت عبر السنوات اللاحقة تحولت العلاقات السوفيتية لعلاقة اتكالية - وهى العلاقة التي ازدادت بشكل واضح بعد هزيمة المصريين في حرب 1967. عاملين هامين كانوا مسئولين عن ذلك. أولًا لم يضع الروس شروطًا لمساعداتهم للدول العربية. ثانيًا "غياب أى تصريح بأن الشرق الأوسط حيوي للمصالح الأمريكية" والذي أعتبرته روسيا كضوء أخضر للتدخل بشكل كامل.

وبرغم نهاية الحرب الباردة في نهاية الثمانينات, فإن روسيا الصاعدة تحت حكم فلاديمير بوتين لاتزال ترى الشرق الأوسط كمساحة هامة لمصالحها العسكرية والسياسية ولن يسعدها أكثر من تقليص الهيمنة الأمريكية في المنطقة. ومنذ انفجار الاضطرابات الأخيرة في الشرق الأوسط سعت موسكو لزيادة نفوذها في المنطقة عن طريق حماية نظام بشار الأسد في سوريا وحشر نفسها تكرارًا في المواجهة بين الغرب وإيران حول قدرات الأخيرة النووية. وبعد اسقاط مرسي نمت العلاقات بين القاهرة وموسكو. حيث زار وزير الخارجية المصري موسكو في سبتمبر 2013 وفي أكتوبر زار رئيس المخابرات العسكرية الروسية القاهرة. وبعدها بشهر زار وفد مصري موسكو للإعراب عن امتنان المصريين للدعم الروسي لثورة 30 يونيو التي خلعت مرسي والأخوان. ولأول مرة منذ غيرت مصر وجهتها من الشرق للغرب في منتصف السبعينات زار وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف ووزير الدفاع سيرجي شويجو مصر في 13 نوفمبر 2013 سويًا. وبعدها بشهرين في منتصف فبراير 2014 زار وزير الدفاع السيسي ووزير الخارجية فهمي موسكو حيث كان محور الزيارة اللقاء بين الرئيس بوتين والسيسي.

ركز الحوار بين الجيش المصري والقيادة السياسية ونظرائهم الروس على تقوية العلاقات بين البلدين والتعاون في مجالات متنوعة من ضمنها الطاقة النووية. وكان على قمة هذه التفاهمات التعاون في المسائل العسكرية وصياغة صفقة أسلحة شاملة, تساوي طبقًا للعديد من التقارير مابين 2 إلى 3 مليار دولار. ووفقًا لهذا العقد, الذي تموله السعودية والإمارات, فسوف تمد روسيا الجيش المصري بطائرات MiG-29,وهليكوبتر هجومية من طراز MI-35, وبطاريات صواريخ للدفاع الجوي وبطاريات مضادة للمراكب وأسلحة خفيفة وذخيرة.

ومقابل هذه الأسلحة وافقت مصر على امداد الأسطول الروسي بخدمات المرفأ في الاسكندرية وتقوية التعاون بين الأسطولين في المتوسط. ووافقت سوريا بالفعل على استخدام سفن الأسطول الروسي لميناء طرطوس ولكن في حالة سقوط نظام الأسد وفقدان هذه المرافق تفكر موسكو في "الخطة ب". ويعد تقوية العلاقات بمصر خطوة هامة لروسيا في سعيها للحفاظ على دور استراتيجي هام - وحضور مستمر في المتوسط, وهو الهدف الذي يصبح أكثر أهمية مع ضم كريميا في البحر الأسود.

نستنتج:

الكساد الاقتصادي والارهاب المتنامي وانتشار العنف والمعارضة الداخلية للحكومة الإنتقالية على قمة التحديات الداخلية والخارجية التي تواجه مصر. وعلى عكس ماقبل اتفاقية 1979 عندما كانت اسرائيل هى التهديد الأكبر لمصر, على القاهرة الآن أن تواجه الخطر المتمثل في المنظمات المرتبطة بالجهاد العالمي - خصوصُا أولئك الناشطون في سيناء - برؤية استراتيجية جديدة تشتمل على الوسائل اللازمة لمكافحته. من الواضح أن عصر الحرب التقليدية ذات المناورات الضخمة بالدبابات المدعومة جوًا قد ولُّى وليس هناك فائدة في تشوين كميات ضخمة من الأسلحة الثقيلة. التهديدات التي تسببها المنظمات الإرهابية الناشطة في سيناء تحتاج إلى خطة جديدة ترتكز على اجراءات رشيقة لمكافحة الإرهاب

في نفس الوقت ننصح واشنطن بالنظر لأبعد من تفاصيل المعونة العسكرية في ضوء مصالحها بعيدة المدى. المعونة العسكرية لها أهمية أبعد من الحفاظ على قدرة الجيش المصري: انها تعبر عن عمق دعم الولايات المتحدة لحليف كما أنها في الواقع تمثل اعلان للولاء للعلاقات الوثيقة بين البلدين. أى قطع أو تقليص للمعونة لمصر سوف تفهمه أى أجنحة علمانية ووسطية داخل النظام الحاكم - وسوف تفهمه المعارضة الإسلامية - كتصويت أمريكي على عدم الثقة في حلفاءها, في مصر خصوصُا ولكن أيضًا في كل الشرق الأوسط. مثل هذه التدابير التي تتخذها واشنطن تفتح الباب للاعبين من الخارج, وهم ليسوا بالضرورة وسطيين أو حداثيين, لإختراق مصر وباقي المنطقة وبالتالي تتأثر سلبًا مصالح الولايات المتحدة الأمريكية.

على المدى القصير وفي أعقاب انخفاض المساعدة لن تقطع مصر علاقاتها بالحكومة الأمريكية بحسم لإن ذلك سوف يؤدي بالضبط لعكس ما يسعى له السيسي وأعضاء جبهة انقاذ مصر. مصر سوف تكون أقل استقرارًا إذا فقدت المورد الأول لمعدات وذخائر وقطع غيار جيشها وسوف يستمر اقتصادها في المنحنى الهابط الذي دخل فيه منذ فبراير 2011. على الجانب الآخر فإن فتح بوابات مصر للروس والسعوديين وآخرين سوف يعطي تلك الدول قوة ونفوذ يمكن على المدى البعيد أن يبعد مصر عن كفيلها الأمريكي. ولهذا السبب فإنه إذا أرادت واشنطن أن تستمر في التأثير على اعتبارات القاهرة السياسية فيجب عليها أن تفتح مستودعاتها العسكرية لها بدلًا من أن تغلق الأبواب في وجهها.

============================================

يهودا بلانجا : محاضر في قسم دراسات الشرق الأوسط في جامعة بار إيلان وأستاذ زائر في مركز موشي ديان بتل أبيب 

كتب المقال على منتدى الشرق الأوسط للدفاع عن المصالح الأمريكية, لقراءة المقال الأصلي باللغة الإنجليزية أضغط هنا